لماذا يصرون على وضع شعوب باكملها ـ تحت الوصاية الاخلاقية ، باسم الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ؟
و منذ متى حصلوا على تفويض الهي يمنحهم الحق في تتبع المواطن و تهديده و
القائه في السجن لو ظهر في سلوكه أي تميز او اختلاف عما تفترضه مدونات
السلوك الديني ، لا حاجة بنا لنفتح دواوين الخيال العلمي التي تتحدث عن
عهد سيصنع فيه البشر على نموذج واحد ، كما صنعت كل نسخ الدمية باربي ، و
كما ستصنع الى يوم القيامة ، لان الواقع في بلداننا الاسلامية قد لا يختلف
كثيرا عن هذا الخيال الجامح، اذ لا يمكننا ان نتخيل امكانية وجود فوارق
بين نساء و رجال الدولة الواحدة في ممالك النفط ، تتجاوز التمايزات
البدائية في الجسد و الاسماء و الالقاب و الهوايات الرياضية و مقاسات
الاحذية .
هل من المشروع التساؤل عن معنى انتمائنا الى دول تعلن احتضانها لنموذج
فكري ديني واحد ؟ هل يعني هذا ان كل من يمارس الحق في التفكير و الاعتقاد
و الاختلاف يصير مستحقا لاقامة الحد عليه و الرمي في النار ؟
كثيرا ما سمعت عن جرائم قطع أيادي الاطفال و رجم النساء و قتل الشباب
بتهمة الحب ، فقلت هذه اخطاء قد تقع ، و سمعت عن شعوب ترعى – بضم التاء -
بكاملها في مزرعة -الحاكم بامر الله – الذي لا ينطق عن الهوى و لا ينتسب
لعالم البشر الا بقدر ما ينتسب الانبياء المكرمون الى سلالاتنا الجاهلة و
الضالة ، فقلت هذه هفوات قد تقع ، و لا شك اننا يوما ما سنستفيق فننتبه
الى ان زمن الانبياء قد ولى و انه لن يعود ، و سمعت اننا نعيش في بلدان
اسلامية ، و انه لا يحق لزوجة انتظار زوجها في الشارع العام دون ان يسجل
في حقها اتهام بالدعارة ، فقلت ، لا ضير ، فقد صارت كل نسائنا موقعا
للشبهات في هذا الزمن الذي تشترى فيه الفضيلة ببراميل النفط و تختزل في
عباءات سوداء ، تسقط في الخفاء اسرع من سقوط النساء على الاسرة في ماخور
وضيع، و هكذا فانا مصر على ان استمر في نفاقي الى ابعد مدى ، و ليس في هذا
ما يخجلني و قد علمت انني اعيش مع قوم أحبوا من أهانهم و استعبدهم و كرهوا
من أحبهم و دعاهم الى وطن لا تفصل فيه كلمات السماء عن أصولها ، ولا
تتوارث فيه العائلات المالكة صفة النيابة عن الرب ، لذلك اقول :
لماذا تبحثون عن الخلاف و قد جعلكم الله امة واحدة ؟ وجعل الطريق الى
الجنة واحدا فتمسكوا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ، ثم لماذا تتبرمون من
وظيفة المحتسب و قد حدد ابن القيم اختصاصاته و مجالات عمله ؟ قد يقول قائل
ان من واجباته الضرب على يد المحتكرين للسلع ، و قد فهمنا مع دراسات
الثقافة بان الدين سلعة ثقافية و انه اولى بالمحتسب الاهتمام بمن احتكروا
الدين و احتكروا تاويله ، فاجيب ، ما لنا و بدع الثقافة الغربية ، فالدين
عندهم كان حكرا على الكنيسة و لا كنيسة عندنا . و قد يقول قائل ، انما
نعيش في دولة لكل المواطنين و ليس من حق اولي الامر محاكمتنا على افكارنا
من خلال قناعات ايمانية ، فاقول انما نحن دولة ارتضت كتاب الله قلبا و
دستورا ، و قد يعود القائل لسفسطته فيقول : كتاب الله يزهر في قلوب
البسطاء لا على موائد السلطان و المترفين..
عند هذا الحد ساتصل حتما بهيئة النهي عن المنكر ، و سابلغها بما قاله و ما فكر فيه ، كما يفترض باي مؤمن ان يفعل .